زيارة الرئيس السينغالي لموريتانيا: وعي بالعلاقات الاستراتيجية أو مراجعة لجميع الاتفاقيات

أربعاء, 17/04/2024 - 22:39

لماذا تكون أول محطة له خارج البلد هي موريتانيا ؟

ولماذا في أول زيارة وفي أقل من شهر على تسلمه السلطة وبعد مسح الطاولة من المعاونين المتمرسين وقبل تنظيم كل ملفاته، يصطحب معه أربعة وزراء إلى موريتانيا ؟

أي نية يحملها معه ؟

نية شاب مازال تحت تأثير شعارات الحملة أو نية إطار متوازن ؟ 

إننا أمام واحدة من اثنتين: رئيس يسير على خط المفاجئات حيث كان نجاحه مفاجئا، وهكذا أيضا يكون فهمه لمصالح بلده مفاجئا وبعيدا عن مضامين خطابات الحملة التي تلهب صدور الدهماء عندما يتوجه إلى موريتانيا بهذه السرعة وبمقتضى تقوية علاقات استراتيجية .

أم أمام شاب لم يعط الوقت لفهم يمكن ممارسة السلطة وتسير الدول والمصالح المتشابكة والحيوية التي عادة ما تخضع للكثير من العوامل التي تختبئ تحتها الكثير من التعقيدات والمضاعفات .

إنها -على كل حال - ليست زيارة مجاملة رغم أن غزواني قام بكل يتطلبه الموقف الأخوي فكان أول رئيس هنأه بعد إعلان فوزه بدقائق مباشرة بعد خروج ماكي صاد من عنده كما أرسل له بعد ذلك تهنئة مكتوبة وكان أول ثلاث رؤساء يشاركون في تنصيبه،ثم إنه أجرى معهما أي إلرئيس والوزير الأول السينغالي محادثات علقت الصحافة السينغال على جانبها الودي المبالغ في إحترامهما له ومع ذلك فإن مظهر هذه الزيارة يوحي أنها زيارة عمل جدية وخاصة مراجعة الاتفاقيات وفق تفكير الرئيس الجديد الذي لا يمكن فهمه خارج إطار التسرع، لكن تحت أي نية ذلك هو بيت القصيد والمعيار الاساسي في تحديد مستقبل العلاقات ؟. لقد اعتادت موريتانيا على تلك النوايا المبدئية من الروساء السينغاليين مباشرة بعد انتخابهم منذ سيناور إلى ماكي صال والتي تبدأ بسوء الفهم أو ضعف التقييم ، وتنتهي بعودة الأمور إلى نصابها وبسرعة.

 

ليست السينغال دولة جارة لموريتانيا بالمفهوم الجغرافي العادي فحسب ، بل دولة متاخمة ومتداخلة المصالح الحيوية مع موريتانيا تتطور العلاقات معها باستمرار بحكم الوضع الجيوبولوتيكي …تاريخيا، كانت العلاقات بين المجتمعات قوية، وتقوم على مصالح اقتصادية ودينية واجتماعية (أراضي زراعية ،مشيخات دينية ومصاهرات )، وحديثا كانت العاصمة الموريتانية في الأراضي الموريتانية في السينغال بسينلوي أو "اندر لبيظ "، ومع ذلك لم تشأ موريتانيا توريط الجارة في مطالب من هذا النوع رغم مشروعيتها .

يرتبط السينغال بموريتانيا بثلاث علاقات طبيعية: الماء، المعادن والشعب. وهكذا اصطحب الرئيس وزير المياه ووزير الصيد ووزير المعادن ووزير الخارجية، وهؤلاء الوزراء يلخصون العلاقات أو المصالح الحيوية بين البلدين التي خضعت لتوترات كبيرة خاصة ملف الماء والصيد والعلاقات الديبلوماسية .ليس من السهل تناول هذه الأمور دفعة واحدة وفي زيارة سريعة نتيجة لأهمية كل واحدة منها بذاتها ولحساسيتها، ومع ذلك جاء الرئيس السينغالي لنقاشها دفعة واحدة وفي زيارة لم نعرف عنوانها بعد في السلم الديبلوماسي ( زيارة عمل، زيارة رسمية، زيارة دولة، زيارة مجاملة)، كما لم نعرف مدتها، ومع ذلك سينثر الرئيس كنانته خلالها .إننا لا نريد استباق الاحداث، لكن كان من المهم تحديد نوعية الزيارة من أجل التنبؤ بدرجة أهميتها وبمحاولة فهم الروح التي ستطبعها .

إنه من الصعب على رئيس لا يملك أي تقاليد في الحكم ولا معرفة دقيقة بالملفات الأساسية أن يقود مفاوضات ناجحة خاصة إذا كان يسعى لمراجعتها من أجل الحصول على مصالح أكبر رغم أنها اتفاقيات في نهاية مسار التنازلات الموريتانية ضمانا لعلاقات ودية وأخوية لم يكن هناك بد من الحفاظ عليها، لكن عند هذا الحد فقط ، وهو ما لا يعجب النخبة السينغالية بما في ذلك ملهم النظام الجديد ووزيره الأول، وهي تعبر عنه بشكل مغاير تماما للواقع، عندما تقول أن نسبة السينغال من الغاز يجب أن تكون أكبر من نسبة موريتانيا وذلك بسبب تعداد السكان، في حين أن تقاسم الانتاج يخضع لنماذج دولية يجب اختيار أحدها بالتوافق. إنه مرتبط بالجغرافيا وبنسبة الاحتياط في كل بلد، ومع أن المشكل المطروح بين الدولتين ليس ذلك بالضبط، بل هو مضاعفة الشركة لتكلفة الاستخراج التي قلصت هامش ربح الدول وبرامجها خاصة السينغال التي بنت طموحا كبيرا على الغاز. وهكذا يكون اصطحاب الوزير من أجل لمتابعة التنسيق الذي طالبت به موريتانيا بفتحها للتحقيق حول الموضوع واستدعت الرئيس السينغالي المنتهية ولايته لنواكشوط لنقاشه. ولهذا سيظل مرجحا جدا أن لا يخرج الأمر عن تقوية جهود التنسيق المشترك .

أما بالنسبة لحضور وزير الصيد ضمن وفد الرئيس جاماي فاي، فإن موريتانيا تعطي للسينغال الحق في اصطياد 50ألف طن من السمك سنويا مقابل 11دولار للطن، وهي بذلك تفقد 100دولار لكل طن بالنسبة لسعره المحدد عند شركة تسويق المنتجات السمكية، لدعم الجارة، لكن السينغاليين يصطادون نوعيات خارج الاتفاق، وينافسون الوطنيين في الأسواق الافريقية، في حين أن هذه الاتفاقية دعما لقوت المواطنين السينغاليين وللعمالة وليست تجارية .لقد تحولت هذه الاتفاقية في أذهان الصيادين السينغاليين إلى حق مكتسب وصاروا يمانعون في إصلاح الدولة الموريتانية للاختلالات المترتبة على سوء استغلالهم لهذا الاتفاق، وبالتالي رفضوا الخضوع للتفريغ في المياه الموريتانية لكي يتم تحديد الحمولات والمقبوضات .لقد خضع هذا الافاق لكثير من اللغط والضغوط على الحكومتين، وهي تزداد مع كل انتخابات .

أما الملف الثاني فهو ملف المياه، حيث تملك السينغال مشروعا قديما يتعلق بإحياء البحيرات الناضبة الذي تعتبره موريتانيا تغييرا لمجرى النهر، وقد شبت حوله أزمة قوية بين البلدين، بينما تعتبره السينغال مشروعا حيويا بالنسبة لها. وهكذا يمكن طرحه على الطاولة. إنه ملف خطير ،كما أن هناك مشاريع مشتركة أخرى تتعلق بتسير النهر بصفة عامة .الملفات والقاضيات لا تنتهي بين البلدين : ملف التنسيق حول الهجرة وملف مالي وبوركينا فاسو والنيجر. إنه ملف مغلق أمام الديبلوماسية إلى حد الآن ويسير وفق نظرة غلق الباب أمام فرنسا كما يحمل تطورات ومقاربات أمنية خطيرة،وغيرها. عناوين كبرى لملفات عميقة واستراتيجية لكلا البلدين يمكن أن تقود لعلاقات جيدة ويمكن أن تقود لتوتر كبير خاصة إذا كانت الحكومة السينغالية ملتزمة بشعارات الحملة. إنه انكسار كبير لنهج معتدل في علاقة متداخلة وقوية يجب أن تظل مثل ما كانت دائما: لا علاقة لها بتغيير الرؤساء وبين اللية وغدا لا نملك سوى الترقب .

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار