
المغرب: بين 3 و4 يونيو الجاري، حط وفد عسكري مغربي رفيع المستوى الرحال بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، في زيارة رسمية تحمل في طياتها أكثر من بعد رمزي، وتعكس التحول اللافت في طبيعة العلاقة بين البلدين، التي باتت تتجاوز منطق المجاملات الدبلوماسية إلى صياغة معادلات أمنية إقليمية جديدة، في لحظة مشحونة بالتحولات والتحديات.
الزيارة، التي تأتي في إطار أعمال اللجنة العسكرية المغربية الموريتانية المشتركة، افتتحت بلقاء رفيع في مقر فرقة الاستخبارات والأمن العسكري بنواكشوط، شارك فيه العقيد إدريس حد زين عن الجانب المغربي، والعقيد المهندس إسلم بيدي مسعود من الجانب الموريتاني، إلى جانب مسؤولين بارزين في أجهزة التعاون الاستخباراتي. وتم خلالها عرض الرؤية التقنية والتنظيمية لكل من فرق الاستخبارات والتعاون العسكري، ثم انتقل النقاش إلى آفاق تعزيز تبادل الخبرات والمعلومات الحساسة، ذات الطابع العملياتي.
لكن ما يُضفي على هذه الزيارة بعدًا استثنائيًا، هو سياقها السياسي والأمني المتشابك؛ إذ جاءت بعد أسابيع فقط من استقبال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لوفد من جبهة البوليساريو، في خطوة فسّرتها الرباط كإشارة رمزية لإعادة إدماج الجبهة في المعادلة الإقليمية بمنطقة الساحل، على نحو يربك التوازنات الدقيقة في شمال موريتانيا والمناطق العازلة شرق الجدار الأمني المغربي.
في هذا الإطار، يُنظر إلى اللقاء المغربي الموريتاني الأخير، خصوصًا في شقه الاستخباراتي، كرسالة واضحة مفادها أن التنسيق بين الرباط ونواكشوط لم يعد هامشيًا أو ظرفيًا، بل يأخذ شكل مقاربة إستراتيجية لمواجهة التهديدات المشتركة، وعلى رأسها تنامي نشاط الجماعات المسلحة وشبكات التهريب العابر للحدود، علاوة على تحركات بعض الفاعلين الإقليميين الساعين إلى توسيع نفوذهم في منطقة الساحل.
ومن زاوية القدرات التقنية، تضع المملكة المغربية تجربتها المتقدمة في مجال المراقبة الإلكترونية، والاستطلاع عبر الطائرات المسيرة، والتحكم في الأنظمة الدفاعية، رهن تطوير الأداء العملياتي للجيش الموريتاني، في وقت يزداد فيه الضغط على الحدود الشمالية لموريتانيا بفعل تداخل نفوذ شبكات التهريب، وتسلل عناصر غير نظامية تتخذ من المنطقة العازلة مجالًا آمنًا للتحرك.
مصادر مطلعة ترى في الزيارة تتويجًا لسنوات من العمل المشترك خلف الكواليس، وهي بمثابة إعلان غير رسمي عن ميلاد محور أمني مغاربي، تتقدم فيه الرباط بموقع “الضامن الاستخباراتي”، بينما تبحث نواكشوط عن شراكة واقعية تضمن لها أمن حدودها وحيادها السياسي دون أن تتحول إلى ساحة لتقاطع المصالح الإقليمية.
في ختام الزيارة، التي اتسمت بأجواء ودية وشملت توقيع محضر مشترك وتبادلًا للهدايا الرمزية، يكون الطرفان قد وضعا حجر أساس متينًا لشراكة تتجاوز الأبعاد الكلاسيكية، وترسم ملامح تحالف أمني إقليمي، يُعيد ضبط البوصلة في منطقة تطغى عليها التقاطبات والمخاطر المعقدة.
محمد الحبيب هويدي – مراسل وكالة الحرية المغرب