حركة "افـلام"… سلاحٌ سنغالي / اعلِ ولد اصنيبه

ثلاثاء, 18/11/2025 - 20:52

تخوض حركة "أفلام" هذه الأيام حملة إعلامية مكثّفة، تُغرق الفضاء العام بسيلٍ من الفيديوهات والأشرطة الوثائقية حول المآسي التي سببتها الأزمة العرقية في موريتانيا.
ومن متابعة هذا الطوفان السمعي البصري تبرز خلاصتان أساسيتان:
    1.أنّ الأزمة تم افتعالها عمداً لمنع ما يسمّونه “التعريب”.
    2.وأنّ البولار السنغاليين كانوا طرفًا لصيقًا بها.
لم يحدث في تاريخ موريتانيا أن تورّط بلدٌ مجاور في شؤونها الداخلية بقدر تورّط السنغال؛ وذلك بسبب الازدواجية الهوياتية للفوتانكيين المنتمين إلى البلدين معًا، وهي ازدواجية يعتبرها البعض ضمان لترسيخ انتماء موريتانيا النهائي إلى إفريقيا السوداء.
ومن خلال ما كشفته "افلام"، نعلم مثلاً أنه بعد أحداث 1966، قدّم الشيخ صيدو نورو تال للرئيس سنغور لائحة تضم ثمانين طالبًا موريتانيًا فُصلوا من مدارسهم، ليُعاد دمجهم في النظام التعليمي السنغالي.
ومنذ تلك اللحظة ـ وفق روايات افلام ـ أصبحت موريتانيا الهدف الجديد للقوميين البولار بعدما فشلوا في السيطرة على غينيا ثم على السنغال، فتم تركيز جهودهم على “بلاد البيظان”.
وتقول الحركة أيضاً إنّ حربًا أهلية كانت مُبرمَجة لطرح إشكالية التعايش العرقي بصورة مأساوية وحادّة. وفي هذا الإطار، جرى إدماج عدد من حَمَلة البكالوريا السنغاليين في الجيش الموريتاني. كما أسّس صيدو كان، ومعه عدد من المثقفين السنغاليين المجنَّسين موريتانيًا، في نواكشوط حركة تحرير الأفارقة الموريتانيين (افلام)، ووضعوا خطة واسعة لقلب نظام الحكم.
وفي عام 1983 تم إنشاء افلام فعليًا بجناح عسكري، وفي سنة 1987 حاول ضباط شبان تنفيذ انقلاب فاشل، جرى فيه استدعاء كبار الضباط البولار، ومنهم العقيدان يال وآن ببالي، وهما وزيرا داخلية سابقان ورئيسا أركان سابقان. وبحكم التضامن العرقي فضّل هؤلاء عدم إبلاغ القيادة العسكرية العليا بالمؤامرة.
أما “الحرب الأهلية” المبرمجة فلم  تدور بين الموريتانيين بيض  و سود، بل  كانت بين الموريتانيين والسنغاليين، في داكار ونواكشوط تحديداً. ولولا صمود الرئيس عبده ضيوف أمام ضغوط البرولاريين  أمات با وعلي بوكار كان، لاندلعت حرب دامية بين جيشي البلدين.
تؤكد افلام كذلك أن الدرك السنغالي درّب وأشرف على مئات العسكريين البولار السابقين لشن هجمات ضد موريتانيا على طول نهر السنغال، وأنهم نفّذوا عملياتهم بدعم مباشر من السلطات السنغالية، مدنيةً كانت أو عسكرية.
وهذا  هو ما يسمى  “بالإرث العسكري”، وهو ملف جرى تجاهله كليًا، بينما يتجوّل أصحابُه اليوم في نواكشوط كأنهم لم يقاتلوا بلدهم ولم يقتلوا ولم ينهبوا.
وليس هذا بجديد؛ فقد سبق للرئيس سنغور أن أطلق مشروع “جبهة ولفوغي”: وهو مشروع لإنشاء جمهورية زنجية في جنوب موريتانيا “على خط يمتد من سد دياما إلى مدينة سيليبابي”، وفق ما أورده انجاي بابكر جاستن في مقاله «Laser du lundi» بتاريخ 10 أكتوبر 2017.
ومن الاعترافات التي توردها افلام أيضاً:
إن التحقيقات في وجود خلايا معادية داخل بعض ثكنات الجيش الموريتاني أدت إلى استجوابات عنيفة انتهى بعضها إلى إعدامات خارج القانون. ومن هنا وُلد “الإرث الإنساني”  مأساة حزينة ومؤلمة. وقد تمت تسويتها من طرف الدولة أربع مرات، وها هي تُسوى مجددًا اليوم بميزانيات تبلغ عشرات مليارات الأوقية.
لكن المؤسف أن السلطات الموريتانية تبدو أكثر انشغالاً بتداعيات هذا المسلسل المأسوي من اهتمامها بجذور المشكلة.
لا جدوى من الهروب من الحقيقة:
الأزمة في موريتانيا هي أزمة هوية وطنية، ولا شيء غير ذلك.
ويبقى السؤال:
هل سيفتح الحوار المرتقب الباب أمام تكريس التنوّع الهوياتي عبر ترسيم اللغات الإفريقية، أم لا؟
هذا هو السؤال الجوهري؛ وما عداه لا يتجاوز “مصارعة هندية”.
اعلِ ولد اصنيبه
18 نوفمبر 2025